الجمعة 23 مايو 2025 04:28 مـ 25 ذو القعدة 1446 هـ
×

إنصاف الخصم فى القرآن الكريم .. (2)

الأحد 3 مايو 2020 12:26 مـ 10 رمضان 1441 هـ

بقلم: د.محمود العبد حسن
       تحدثنا فى المرة السابقة عن كيف جاء القرآن كمعجزة فى حد ذاته ،ليضع القواعد الأساسية والقانونية الكلية الحاكمة ليس لعصره فقط ، ولكن لجميع العصور من بعده ،بما تضمنه من حقوق و واجبات لكل الأفراد والمجتمعات، مانحا إياها حق حرية العقيدة ارتقاءا إلى ضمان حق الخصم أثناء الخصومة،وما يتطلبه ذلك من  تحرى العدل والإنصاف حتى لوكان خصمك بغيضك 
حديثنا هذا ليس حديث المتعصب لدينه ،أو المتحيز له أو الراغب فى إعطائه فوق ما يستحق، إنما هو حديث المحقق المحايد مقدما الفكره بالدليل،تاركا لك حق الاقتناع من عدمه ،فهذا هو القرآن الكريم والسنه النبوية لا ينكران العاطفة وأثرها النفسى ،ولذلك لا يؤاخذك عليها حبا كانت أم بغضا ،مدركا أنه لا سلطان عليها ،إنما يؤاخذ على ما يصدر من سلوك ومدى تحريه العدل والانصاف فى الفرط والتفريط،فيحدثنا القرآن عن السابقين شعوبا وجماعات وأفراد ،غالبيتهم كانوا فى عداء مستعر مع الله ورسله ودعوتهم،لكن بالرغم من هذا تجاهل القرآن الغضب الألهى على هؤلاء 
ترى النص القرآنى لا يطمس لهم ميزة ، ولا يصغر لهم فضيلة،فها هو القرآن يمدح ملكة سبأ فى سياستها والتزامها الشورى فى حكمها ،بالرغم من ضلالها الدينى ،فيقول على لسانها" يا أيها الملأ أفتونى فى أمرى ما كنت قاطعه امراًحتى تشهدون"، النمل32.وكذلك مدح ملأ سبأ بأن أشاروا عليها بما فيه مصلحة قومهم مع توخيهم إظهار الطاعة والخوف على مليكتهم ،فنرى قولهم "قالوا نحن أولو قوة وألو بأس  شديد والأمر إليك فأنظرى ماذا تأمرين "، النمل 33.
وهذا الزعيم القرشى الذى ناصب الإسلام العداء وحارب نبيه ،ونشر الدعاية ضده،فتراه ينوه على ذكاء ذلك الزعيم وتفرده فى استخدام عقله ودهائه فى التدبر لهذا الدين،فيصف ذلك قائلا"إنه فكر وقدرفقتل كيف قدرثم قتل كيف قدر ثم نظر ثم عبس وبسر ثم أدبر واستكبر" ، المدثر.،  وترى القرآن يتحدث عن النصارى بحديث رائع ومنصف مبرزا صفة وخليقة متفردة لديهم عن غيرهم من الأمم فيقول "ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبان وأنهم لا يستكبرون" ، المائدة 82.
إن اللبنة والأساس المتين فى القواعد الكلية لإنصاف الخصم يضعها الإسلام ،ويبدأها بنفسه، فها هو لا يعرى أعدائه ولا يسلبهم مزاياهم عند الحديث عنهم وذلك قمه الانصاف للخصم فى القرآن الكريم،داعيا الناس جميعا مسلمين أو غيرهم للالتزام بتلك القواعد فى سلوكهم ،ومتى حدث ذلك قلت او انعدمت المنازعات لأن كل إنسان سيكون قاضيا على نفسه ومنصفا لغيره.

مدير الطب الوقائى بمديرية الطب البيطرى بقنا