” فضل الصخور على القدور ”

بقلم: د. محمود العبد حسن
يقول أحد الصالحين : إن القلوب قدور والألسنة مغارف ، فالقلوب سر من أسرار الله في خلقه ، والألسن والأعمال ثمار لما في القلوب ، القلب منحة من الله لعبده إذا ما تولاه بالعناية والرعاية ، ومحنة إذا ما قسى وعلاه الصدأ ؛ فيصبح كالحجارة أو أشد منها كما يخبرنا القرآن الكريم : " ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة " ... البقرة (٧٤) .
إن إهمال القلب ، والغفلة عن تطهيره وتزكيته ، ودرء الدنس عنه ، وجلاء الأوساخ عنه يجعله قاسيا ، يفوق الصخور حيث أنها قد تلين فتفجر منها الأنهار والعيون ، وإن منها ما يهبط من خشية الله ، تذللا وخضوعا ، ويخبرنا الله بذلك :" وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار ، وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء ، وإن منها لما يهبط من خشية الله " ... البقرة (٧٤) ،
ولهذا يقول ابن قتادة : " عذر الله الحجارة ولم يعذر شقى بني آدم ". يأتي الإبتلاء ، والقضاء والقدر ليدفعك للتذكرة ، والتعلق والتفرغ ومناجاة بارئك ، أما من أفلست روحه ، وقسى قلبه ، لا يصل لتلك اللحظات الراقية المشرفة ، فقساوة قلبه كبلت نفسه وسدت طريقه فلا يصل لتلك المنزلة العالية ، يحدثنا القرآن عن هؤلاء :" فلولا إذا جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم "...الأنعام (٤٣)
و. يصف لنا القرآن سمات هؤلاء القاسية قلوبهم :" وجعلنا قلوبهم قاسية ، يحرفون الكلم عن مواضعه " ... المائدة (١٣) ، فقسوة قلوبهم وجفاف مشاعرهم لشيوع كذبهم وتنوع أباطليهم وكثرة المراوغة لأنفسهم قبل الناس . قسوة القلب ليست وليدة لحظة عابرة ؛ إنما هي نتيجة حتمية لنزيف القلب المستمر ، وإهماله والتقصير في رعايته حتى تيبس وفقد الصلة والرابط بينه وبين الله ، فيطمس على قلبه فيزين له سوء عمله فيراه حسنا . القلب القاسي هش ، وجل ، مذعور ، يسقط وينهار أمام الفتن والمحن . وقاني الله وإياكم من قسوة وغفلة القلوب فإنها داء عضال ومآلها سوء .