الجمعة 23 مايو 2025 05:38 مـ 25 ذو القعدة 1446 هـ
×

”المسحراتى“ .. مهنة تهددها الأعمال الدرامية

الأحد 5 مايو 2019 11:31 مـ 29 شعبان 1440 هـ
صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

مؤذن رسول الله أول مسحراتى فى تاريخ الإسلام

الظاهر "بيبرس" أمر بتعيين شباب رجال الدين للعمل مسحراتيه في عصر المماليك

الحاكم بأمر الله خصص بعض الجنود الساهرين على حراسة القاهرة للقيام بالمهمة

الطرق بالعصا على الأبواب في بعض الدول .. ومسابقة في تركيا لاختيار المسحراتى

 

كتب - محمد صلاح عبادى :

ترتبط مهنة المسحراتي بصورة مباشرة بشهر رمضان الكريم، فهى مهنة موسمية تطلق على الشخص الذي يجوب شوارع المدن والقرى بعد منتصف الليل في شهر رمضان لإيقاظ النائمين  لتناول وجبة السحور قبل أذان الفجر، مستخدماً لذلك أدوات وأساليب اختلفت من عصر لأخر .. وفى هذا التقرير يرصد "صوت الصعيد" تطور مهنة المسحراتي منذ المهد الأول للإسلام حتى عصرنا الحالى.

المسحراتي في العهد الأول للإسلام

كان الصحابي الجليل بلال بن رباح مؤذن الرسول هو أول مسحراتى فى تاريخ الإسلام ، حيث كان يطوف بشوارع المدينة المنورة وطرقاتها ليلًا لإيقاظ المسلمين للسحور، ومن ثم صلاة الفجر، خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وكان بلال بن رباح وكذلك عبدالله بن أم مكتوم أول من قام بمهمة المسحراتي باستخدام الأذان حيث كان يقوم أحدهما بالأذان أولاً قبل الفجر ليقوم الناس للسحور ثم يؤذن الثاني ليمسك الناس عن تناول الطعام وينوون الصيام.

المسحراتي في العصور الوسطي

عرفت مهنة المسحراتي في بداية القرن الثالث من الهجرة لأول مرة في مصر عام 228 هـ في ولاية "عنبسة بن اسحق"  على مصر، حيث كان يقوم بنفسه بهذه المهمة في مدينة الفسطاط  وحول جامع عمرو بن العاص، وينادي: "يا عباد الله تسحروا فإن في السحور بركة".

ثم كادت أن تنتهي تماماً هذه المهنة علي مراحل متفرقة من التاريخ لأنها مهنة موسمية ترتبط فقط بشهر رمضان ويعتبر الظاهر "بيبرس" هو من أعاد هذه المهنة إلى الظهور مرة أخرى في عصر المماليك عندما أمر بتعيين شباب رجال الدين فيها .

 وجاء العصر الفاطمي ليأمر الحاكم بأمر الله بتخصيص بعض الجنود الساهرين على حراسة القاهرة ليلاً لهذه المهنة، حيث كانوا يقومون بالطرق على أبواب البيوت لإيقاظ الناس للسحور.

المسحراتي في الدول العربية

اختلفت أساليب مهنة المسحراتى في الدول العربية عن بعضها البعض، ففى المغرب واليمن كان يقوم المسحراتى بالطرق بعصا على الأبواب، وفى دول الشام يعزفون على العيدان والصفافير. ويسميه العراقيون " أبوطبل أو أبو طبيلة "، أما في عمان يوقظ المسحراتى النائمين في الطبلة والناقوس، وفى الكويت يقوم المسحراتى بالإنشاد وأولاده يردون عليه، ويعرف المسحراتى في لبنان بـ " الطبال " ويرتدى عباءة بيضاء ويأخذ ما يجود به الناس أو ما يعرف بالعيدية.

وفى السودان يطرق المسحراتي أبواب المنازل ومعه طفل صغير يحمل الفانوس وورق كتب بها أسماء أهل الحي لينادي كل واحد بإسمه، واشتهر المسحراتي السوداني بترديده عبارات "اصحوا يا نايمين، أصحوا يا جيران، أصحوا يا ناس يا حلوين، أصحوا واسحروا، وقولوا نوينا نصوم رمضان، أصحى يا نايم وحد الدايم".

ويسميه الأتراك “الضافونجو” وتقيم البلدية في عموم تركيا مسابقات فنية لاختيار المسحراتي على أساس براعته في قرع الطبول والأناشيد المسجوعة لتحفيز النيام على الاستيقاظ وقت السحور.

المسحراتي في مصر وصعيدها

اتخذت مهنة المسحراتي في صعيد مصر أشكالاً عديدة وأساليب متنوعة في إيقاظ النائمين لتناول السحور، وكان المصريين هم  أول من استخدم "الطبلةفي مهنة السحور بإيقاع وألحان متميزة توارثتها الأجيال منذ القدم، فقد كان يقوم المسحراتي بعد منتصف الليل بالتجول في شوارع المدينة أو القرية بيده طبلتة الصغيرة يطرق عليها وينشد بعض الكلمات الدينية والأشعار لإيقاظ النائمين ومن بين هذه الأشعار "أصحي يا نايم وحد الدايم رمضان كريم "، "السحور يا عبادالله، " قوموا إلى سحوركم جاء رمضان يزوركم"

ورصد ""صوت الصعيد " أساليب المسحراتية في عدة محافظات فيقول أحمد معروفمن قرية الوراق بمحافظة كفر الشيخ إن المسحراتي حاجة مميزة لديهم في القرية رغم إنه علي حد وصفة "صامت" حيث يقوم فقط بالطرق علي "الطبلة" بعد الساعة الثانية من منتصف الليل ليخرج الأطفال لمشاهدته حيث الأسر تكون في سهرات عائلية ولم تخلد للنوم بعد، مشيراً إلى أنه الأهالى يعطون المسحراتي في أول أيام العيد فلوس وكعك وبسكوت مقابل عملة خلال شهر رمضان .

ويقول "محمد رمضان " من مركز الحادقة بمحافظة الفيوم، يوجد اثنين من المسحراتية لكل واحد منهم نصف البلد ويكون معه طبلة أو علبة صفيح يطرق عليها فقط دون المناداة بأي عبارات وأحياناً ينادي أمام كل بيت باسم صاحبة إذا كان يعرفه ولا يتقاضي من أهل البلد مقابل لذلك ولكنهم يراعونه في زكاة عيد الفطر، ويكمل حديثة بأن أهل البلد أصبحوا في غنى عنه لأنهم يظلون مستيقظين أمام شاشات التفاز إلي ساعات متأخرة من الليل وانحصر دور المسحراتي في إنه يعد فرحة للأطفال الذين يخروجون يسلمون عليه .

أما عن مهنة المسحراتي في صعيد مصر فيقول "محمد الشيخمن مركز نقادة بمحافظة قنا، كان يقوم بمهنة المسحراتي بعض الشباب الذين يجوبون في شوارع المدينة والقرى لايقاظ النائمين للسحور باستخدام الطبلة أو بالنقر على أعمدة الإنارة باستخدام الأحجار الصغيرة وترتيل بعض الكلمات "اصحوا للسحور ، اصحى يا نايم رمضان كريم " ولكن في السنوات الماضية اختفت هذه المهنة شيئا فشيئا وأصبح يحل محلها نداء عامل المسجد قبل أذان الفجر لإيقاظ النائمين بعبارات متنوعة بتكرار كلمة " السحور السحور ، اصحي يا نايم اتسحر ، السحور بركة .. اصحوا الوقت بدرى رمضان كريم .. كل عام وانتم بخير".

ويؤكد أن هذه المهنة إختفت في الوقت الحالي والسبب في ذلك التقدم التكنولوجي وظهور وسائل أخرى لإيقاظ النائمين من المنبهات والهواتف المحمولة وما شابهها بالإضافة إلي متابعة الأسر للعديد من المسلسلات والأعمال الدرامية على القنوات الفضائية إلي ما بعد منتصف الليل وبهذا أصبحت سهر الأسر لمتابعة الدراما سببا رئيساً فى عدم الحاجة لمهنة المسحراتى وإن كان عمال المساجد يفومون بالمناداة فى مكبرات الصوت للتذكير بالسحور فقط.