النظرية السيمائية  

الأحد 21 يونيو 2020 07:08 مـ 29 شوال 1441 هـ

بقلم: د. محمود العبد حسن

يقول أهل العلم إن الأسئلة ترى ، أما الأجوبة فعمياء !! ، لذلك سنتساءل جميعا ، هل جربت يوما أن رأيت مدرسا يوبخ طالبا بعينه لسرحانه في درسه ، وهل صادفت يوما أن سألك أحدهم وأنت مهموم لماذا أنت  مهموم اليوم ؟

ما السر والسبب في أننا نثق ونطمئن للبعض دون الآخر برغم اننا نلتقيهم صدفة، وفي وقت واحد ، ما السر في قبول سيدنا موسى دفع المهر المبالغ فيه ليتزوج ابنة سيدنا شعيب ، ما هو الدافع والمحرك لأمنا الفضلى السيدة خديجة لتخالف عادات وتقاليد مجتمعها وتجد الشجاعة في  أن تخطب محمد (صلى الله عليه وسلم) ،  

إن الإجابة على تلك التساؤلات وغيرها هي النظرية السيمائية ، أو ما يطلق عليه علم الفراسة ، وهي علم الاستدلال بالظاهر على الباطن ، لا توجد أي أدلة على أن مهارات الفراسة حقيقية ويمكن اكتسابها ، بالرغم من أن كثير من الدراسات الحديثة دلت على أن تعابير وجه الإنسان يمكن أن تكون نواه ، يمكن من خلالها معرفة أسبار وغور الشخصية ، والعرب قالت ذلك قديما ، وظهر ذلك في اشعارهم فهذا أحدهم يقول : " فالعين تنطق والأفواه صامته ...حتى ترى من صميم القلب تبيانا " . 
 ويقول آخر :  " إن العيون لتبدي في نواظرها ...... ما في القلوب من البغضاء والمحن " .

ويحكى أن محمد بن الحسن والشافعي اذا هم جلوس في صحن الكعبة ، فمر رجل فقال أحدهم تعال حتى نزكن – أي نتفرس – على هذا الآتي ؛ أي حرفة معه ؟ فقال أحدهم : خياط ، وقال الآخر نجار ، فبعثا إليه فسألاه : فقال كنت خياط وأنا اليوم نجار !! . 
النظرية السيمائية هي ما تعرف اليوم بلغة الجسد ، ولعل هناك اهتمام كبير بهذا العلم لرجال الأمن ، ورجال التسويق والمبيعات ، لما يمثله من أهمية في تحقيق أهدافهم ومبيعاتهم

و يولي القرآن الكريم النظرية السيمائية اهتماما وعناية فائقة  فورد في شأنها عدة نصوص نورد بعضا منها : " ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم " ... محمد (٣٠) ، " يعرف المجرمون بسيماهم " ... الرحمن (٤١) ، " وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم " ... النحل (٥٨) .

هذه الآيات وغيرها  تشير إلى انه من خلال استجلاء سيما وقسمات وجه الانسان فإننا نحصل على ما يعتمل في داخل أعماق نفسه ، وما يستكن بين جوانحه ، فالوجه ترجمان النفس ، وجاء العلم الحديث بنظرياته وأبحاثه ليؤكد ذلك ومن امثلة ذلك اختراع جهاز كشف الكذب ، واهتم الفلاسفة بالنظرية السيمائية فها هو جابلورد هاروز يقول : إن وجهك رسولك إلى العالم ، ومنه يمكن أن يتعرف الناس على حالك ، ويقول الفيلسوف ايمرسون : إن العيون تنطق بكل لسان ، ولا تحتاج في حديثها إلى ترجمان .

وقد يتساءل البعض لو كان الأمر كذلك فلماذا نجد فردا يخدع أفرادا ، بل جماعة ،  وهم له مصدقون ، وبخداعه مستمتعون ، وبكذبه وغشه راضون ، وبالآمال حالمون ، وبالمستقبل والغد منتظرون !! .

إننا في مثل هذه الحالة وما شابهها أو ناظرها نجد أنفسنا بين ثلاث احتمالات وهي أنهم قوم بسطاء سذج ، أو المخادع بارع في اتقان دوره ، او كلا الاحتمالين معا .
ولعل قول ابن تيمية يوضح لك ما لبس عندك ، 
            ذئب تراه مصليا              فإذا مررت به ركع 
            يدعو وجل دعائه             ما للفريسه لا تقع
            فإذا الفريسه خليت          ذهب التنسك والورع   

 مدير إدارة الطب الوقائي بمديرية الطب البيطري بقنا .