حتى لا تغرق سفينتك

بقلم: د. محمود العبد حسن
النفس الإنسانية هى احدى معجزات الله ، فمنها يمكن للمرء الاستدلال إلى خالقه و الولوج منها الى العالم الآلهى بجماله و جلاله ، لذلك شاع و انتشر أن " من عرف نفسه عرف ربه"
و اهتم العلماء بها و بدراستها فى جميع المناحى نفسية ، طبية، سلوكية, أخلاقية، دينية، و اهتموا بالولوج الى كهفها لمعرفتها و سبر أغوارها.
فالنفس مصدر هام لمعرفة تصرفات الإنسان و ميوله و أهوائه و رغباته و نزعاته ،و هى مفتاح السعادة أو الشقاء. فالنفس كالسفينة فى غمار بحر الأأهواء و الرغبات و الطباع و السلوك ، متى جنح قبطانها إلى قواه و غريزته و تركها للاهواء ، ظهرت سفينة النفس الامارة بالسوء ، صانعة الشر ، قبيحة الافعال ، فهوت السفينة و انكسر شراعها و سلكت طريق الحيوانية و أبحرت فيه بلا عودة
أما أذا كان قبطانها فطنا و لعقله رشد ، فكبح جماح نفسه ،و شذب شذوذها ، و أمسك بلجامها ، اكتملت نفسه ، و سما بها الى الملكية ، و ظهرت النفس المطمئنة
و لعل هذا ما عناه القرآن الكريم حين قال: " و نفس و ما سواها فألهمها فجورها و تقواها، قد افلح من زكاها ،و قد خاب من دساها" الشمس.
و هناك دوما الغالبية لا يهتموا بسفينتهم الاهتمام المطلوب ، و يتركوها للأمواج تحركها تارة خيرا و تارة شرا دون سعى أو مجاهدة تذكر، هؤلاء هم أصحاب النفس اللوامة ،هم دوما يتطلعون و ينتظرون عفو الله و رحمته .
إن قصص من نجحوا فى حروب النفس و تربيتها كثر ..و قصص من قاوم أهوائها و رغباتها كثيرة و متعددة،و لعل قصة خالد بن الوليد، قاهر الروم و الفرس تصلح دليلا و مثالا يحتذى ،فحين بلغه خبر عزله و قوسم ماله و نعله ... هل استجاب لنفسه الإمارة بالسوء أو تلك اللوامة؟... لا بل ظهرت النفس المطمئنة فأطاع و امتثل ، و قال لأبو عبيده : ما انا بالذى أعصى امير المؤمنين ، اصنع ما بدا لك . و صدق العقاد حين قال فى عبقريته : كان خالد عظيما و هو يعطى الاوامر لجنده ، و كان عظيما ايضا و هو يمتثل لقرار عزله بكل فخر و مسؤلية .
لتعلم صديقى أن أعدى أعدائك هى نفسك التى بين جنبيك كما يقول النبى الكريم محمد صلى الله عليه و سلم ، فحارب هذا العدو تنجو سفينتك و ترسو على شاطئ السعادة فى نهاية رحلتك.
مدير الطب الوقائى بمديرية الطب البيطرى بقنا