” فراق الأحبة ”

بقلم د. محمود العبد حسن
" استعدوا لفراق أحبائكم " ، كلمة أطلقها رئيس وزراء بريطانيا عقب تفشي جائحة كورونا ، كان للكلمة صدى صوت تردد في كل العالم ، وانتشرت في كل البلاد ، وسرى الرعب والفزع ليس في بريطانيا فقط ، بل في العالم كله ، وأحس بالخطر الجميع ، كلمات صادقة ومشاعر حقيقية عبرت عن حقيقة مرعبة مؤكدة .
فما أصعب أن تفارق حبيبك ، ويرحل عنك من ترتاح وتانس إليه ، فيذهب الفرح ، وتطير السعادة ، ليسكن الحزن والألم في القلوب ، فبعد الأحبة كل فرحة ناقصة ، كل وقت ثقيل ، بدونهم الأيام ثقيلة وطعمها مرير وخطبها شديد ومرورها عسير
فما أصعب رحيل الأحبة ، ولا تنتظر لهم عودة ، ولا تجد حياة بعدهم ، فحياة الأجساد تافهة ، حقيرة ، كالشاي الماسخ ، كطعام المرضى ، لا متعه ولا تذوق فيه .
وصدق الشاعر حين قال :
قل للأحبة في الأعماق ذكراكم ..... ويمضي الزمان ونبض القلب يهواكم .
جاءت رسائلنا تترى لتلقاكم ....... لا خير فينا إذا يوما نسيناكم .
تنتهي حياة الصادقين بفراق الأحبة ، وتفقد اللذه بعدهم ، ففراق الأحبة جرح غائر ، عسير الإلتئام ، وإن إلتأم ترك ندوبا تشوه الحياة ، وصدق الإمام علي فيما يروى عنه حين سؤاله هل هناك أعظم من الموت ، فأجاب : فراق الأحبة ، وها هو الإمام الحسن يقول عن سبب بكائه عند إحتضاره : هول المطلع وفراق الأحبة .
إن فراق الأحبة غربة ، والغربة مع الأحبة جنة ، يرى الإمام القشيري في قصة هدهد سليمان أن العذاب الشديد الذي كان ينتظره هو فراق الأحبة ، فما أشد أن يفرق بينك وبين ما تحب ، فراق الأحبة يجعل الحبيب ضعيفا ، كسيرا ، حزينا ، بائسا .
سمي العام الذي فقد فيه نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) أحبته "زوجته وعمه" عام الحزن ، لعظيم مصابه ، واحتاج رحلة إلى السماء للقاء الحبيب الأكبر لتبرء جروحه وتندمل آلامه ليمضي في رسالته .
عذاب شديد أن تعيش غريبا بين الناس ، بدون أحبة ، بدون روح ، بدون نبض .
حفظ الله أحبتكم وأحبتي وأسعدنا بهم وبجميل العيش والذكرى .
مدير الطب الوقائي بمديرية الطب البيطري بقنا .