دروس من سورة ” يوسف”

الجمعة 5 مارس 2021 12:38 صـ 20 رجب 1442 هـ

بقلم الدكتور: محمود العبد حسن 

نزلت سورة يوسف،  والنبي (صلى الله عليه وسلم) في أمس الحاجة إلى لمسة من يد السماء الحانية ، لقسوة الأرض وأهلها عليه ، ولضعف جسده ، ولضيق روحه ، وتخلي الجميع عنه ، فقومه طارديه ، وفقد أهله وناصريه ، وفي الطائف آذوه ، وبالسخرية ورمي الحجارة قابلوه .

جاءت سورة يوسف تسرية له ، ودفعا لروحه ، ودعما لعزيمته ، فها هو يوسف يلاقي من حقد الأخوة ما يدفعهم للتخلص منه في قعر بئر ، بدون ذنب أو جريرة أقترفها في حقهم ، سعيا لمحبة ناقصة من وحي خيالهم المريض ونفوسهم الخربة ، فزينت لهم الباطل وسولت لهم السوء ، فجلس الطفل وحيدا في ظلمة البئر ، ساعات وأيام منتظرا عودة أخوته ، لكن هيهات هيهات .

كان البئر وظلامه فتحا ليوسف ، تعلم فيها الإستغناء عن البشر ، والارتكان إلى ربهم ، عرف أن موطن قوته بين جوانحه ، تعلم الصبر على المحن ، تعلم أن يقدم المعروف للجميع دون إنتظار لرده ، لم تدنسه أحقاد أخوته ، ولا ضغائن قلوبهم ، ولا قلة وضعف ناصريه ، فأمس أقوى منهم جميعا ، فغير لهم واقعهم السيئ ، ورسم لهم مستقبل باسم مشرق .

تزرع سورة يوسف الأمل لكل مهموم ، خائف ، مضطهد ، مظلوم ، مطارد ، ان النصر حليفه يوما ما ، والفرح نهاية تتويج كل طريق صعب .
كن كيوسف ، فبرغم نصره مر بأنامله الطيبة فوق رؤوس قاتليه ، كافأهم بالإساءة إحسانا ، بالهجر وصلا ، وبالطرد قربا ، وبالكره حبا .

يقول أحمد خيري العمري في كتابه " القرآن نسخة شخصية " : ثمة شيئ شخصي جدا في سورة يوسف ، من منا لم يتعرض لغدر في حياته ؟! ، من منا لم يتعرض لظلم ؟! ، لفتنة وغواية ؟! .

صحيح إن الطريق من بئر الغدر لا ينتهي دوما إلى العرش كما حدث مع يوسف ، لكن المهم ألا نبقى أسرى للشعور بالظلم والتباكي على التجربة ، أول خطوة للخروج من البئر هو أن نخرج من دور الضحية المضرورة ، أن نحول نقاط ضعفنا إلى قوة ، ألا نيأس مهما تكالبت علينا الدنيا ، ألا نحزن عند الهزيمة ، ولا نفرح عند النصر ، ان نعلم أن بداخل كل منا بئر ، وفي كل بئر يوسف لمن يرغب ويسعى .

يقول ابن عطاء :" لا يسمع سورة يوسف محزون إلا استراح إليها ".

وسورة يوسف ليس لراحة أهل الدنيا فقط ، بل هي في الجنة أيضا ، فيقول خالد بن معدان :" سورة يوسف ومريم مما يتفكه بهما أهل الجنة في الجنة .