” القنفذ و التمساح ”

الأربعاء 24 مارس 2021 12:38 صـ 9 شعبان 1442 هـ

بقلم: د. محمود العبد حسن

أصعب اللحظات تلك التي تبدو أمورك فوق إحتمالك ، ليس لصعوبة المهمة الملقاة على عاتقك ، ولا للظروف المحيطة فحسب ، بل لأن كلام الناس قد يزيد الأمور صعوبة ، تجد نفسك فريسة لإتهاماتهم ، افترائهم وكذبهم ، سوء ظنهم ، سخريتهم ، مما يضاعف من حملك ، ويضعف قواك ، وتخر عزيمتك ، تجد سلواك وعزائك في كتاب الله :" أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون ، إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا " ... الفرقان (٤٤)

 آية تجعلك تتجاوز كل آلامك وتفرج همك في سبيل الخير والسعي إلى الحق ، فالمصلحون لا يبغون لقومهم إلا الخير ، ويبذلون في سبيله أرواحهم ، أبنائهم وأموالهم ، لكن قد تجدهم بعد كل ذلك يناصبون العداء ، العداوة ، السخرية ، الاستهزاء والإزدراء ، ويرجع ذلك لخروجهم من طور الآدمية إلى الحيوانية ، بل أحيانا ينحدر إلى ما دونها

 هذا الكلام لا يؤخذ على المطلق ، ولا يصح قاعدة بأن كل انتقاد يوجه إلينا على إنه خطأ ، أو أننا دوما على صواب ، وليس سليما بالكلية ، إن الأشجار المثمرة وحدها التي ترمى بالحجارة ، وليس كل تصفيق دليل على صحة السعي . لكن الخسارة الكبرى ان تضل بوصلتك الذاتية ، وتخطئ إتجاهاتها

 ولعل هذا ما عنته الآية الكريمة :" قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا "... الكهف (١٠٣ ، ١٠٤) . فهذه مرحلة متأخرة من مراحل المرض النفسي والسقوط في بئر الحيل النفسية وإيجاد وسيلة للتبرير وللإيهام لذاته قبل الآخرين ، إنه يسعى للحق ، والآخرون أعدائه وحاقدون عليه ، هؤلاء أول أعدائهم هي أنفسهم التي بين صدورهم ، يحكى في الأثر أن جحا أراد خداع قريته ، فاذاع أن عمدة القرية أقام وليمة عامرة بما لذ وطاب ، فسرعان ما سرت الإشاعة ، وانطلقت الأفواج تنهال تترا إلى منزل العمدة ، لدرجة أن جحا ثارت بين نفسه تساؤل ، هل العمدة فعلا قرر إقامة وليمة للناس ، فتوجه مع الناس إلى دار العمدة .

إننا في درب الحياة ومواجهة صراعاتها ، نكون أمام عدة طرق للتعامل مع تلك الطعنات ، لعل من أهمها مرحلة القنفذ ، وهي أن تحمي نفسك بأشواك كالقنفذ ، فيصبح ليس من السهل أن تطعن أو تصاب من الآخرين ، وإن حدث فلابد أن يصاب ويتألم من أشوكك ، طريقة قصيرة وناجحة ، لكنها تؤدي إلى الإنعزال والإنغلاق على نفسك ، وعدم التفاعل مع مجتمعك والمحيطين بك . وهناك مرحلة جلد التمساح ، فهنا تفقد الحساسية المفرطة لكلام الناس ، فتصبح أقل إكتراثا بما يقال ، ولا يؤثر فيك أو يصيبك بأذى

هذا التحول لا يحدث فجاة ، والبعض لا يصل إليه مطلقا . وهناك المستوى الأعلى والأرقى في التعامل ، مرحلة سلاما ، في هذه المرحلة يتعامل الأشخاص مع الأحداث والأفراد برفق ولين وشفقة على هؤلاء الجاهلين ، ويعرض عن إسائتهم أو كذبهم ، بل يرد الإساءة بالتحية والسلام وقليل من التجاهل :" وعباد الرحمن الذبن يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما " ... الفرقان (٦٣) . كان الله في عونك إن كنت كالقنافذ ، وهنيئا لك إن كنت كالتماسيح ، وإني أغبطك إن كنت من المسالمين .