” أبطال من ورق ”

الأربعاء 7 أبريل 2021 11:11 مـ 24 شعبان 1442 هـ

بقلم: د. محمود العبد حسن

يقول مالك بن نبي ": "إن المجتمع المتخلف ليس موسوما حتما بنقص في الوسائل المادية وإنما بإفتقار الأفكار ، وإن المجتمع المسلم يتضاءل فيه عالم الأفكار أمام عالمي الأشخاص والأشياء مما أنتج حضارة منحرفة " .

في تلك الحضارة المنحرفة أصبح الأبطال الحقيقيون من وحي الخيال ، أو ضربا من ضروب المحال ، فالأبطال اليوم ليسوا نتاج أعمالهم أو أفكارهم أو مساهمتهم الإنسانية نحو غد مشرق ومستقبل باسم ، إنما هم من صنع الجماهير ، سواء في المدرجات أو خلف الشاشات أو في وسائل التواصل الإجتماعي ، وغاب واختفى الأبطال الحقيقيون سواء في ميادين الجهاد ، العلم ، المعامل

. أصبح حب الظهور أشد أنواع الإدمان ، فبات هناك إدمان للكاميرات ، والظهور على الشاشات ، وتصدر الترندات ، لا يقل إدمانه عن إدمان المنشطات والمخدرات .

أبطال الجماهير هم أبطال من ورق ، تحركهم أهواء ورغبات صانعيهم ، آلهة العجوة تصنع بالنهار لتأكل بالليل ، تهافت الناس على الشهرة صنع مسوخا بشرية ، لا مناقب حقيقية لها سوى الجرأة والقدرة على مواجهة الجماهير وتحمل النقد وبعض السخرية .

تنوع قنوات الإتصال وغياب الوازع وعدم وجود ضوابط أو رادع ؛ ساهم في إنتشار تلك الأبطال الوهمية ، تلك البطولات المزيفة سرعان ما تزول ويخفى بريقها ، لكن يصبح أصحابها أسرى لتلك البطولة الوهمية ،ولا يملك الإنفكاك منها ، فينحدر إلى مزيد من السقوط في الشخصية من أجل اللايك أو الكومنت أو التفاعل المزيف .

قد نلتمس عذرا للشباب أو صغار السن في السقوط في فخ الظهور ، لكن لا نجده لهؤلاء العلماء وبخاصة رجال الدين ، الذي يفتي بالشاذ والغريب من الفتوى والآراء من أجل تلك الشهرة المزيفة .

ها هو الإمام مالك وقد بلغ من الشهرة حدا عظيما ، كان مقصد طلاب العلم من خراسان حتى الأندلس ، يبكي قبل وفاته بكاءا شديدا ، فيسأل ماذا يبكيك ، فيقول :" من أحق بالبكاء مني فإني أقول الحكم أو الكلمة فتكتب بالأقلام ثم يذهب بها طلاب العلم إلى أمصارهم ، ثم يظهر لي الإجتهاد فيظهر لي رأي آخر ، فماذا افعل فيما قلت ؟!

إن الشهرة المزيفة كالسرطان ، إذا دخل الجسم سيطر عليه وبات لا فكاك منه إلا بالإخلاص في العمل وصدق الطوية . وقديما جاء في الأثر حب الظهور يقصم الظهور .